فصل: مسألة قال لامرأته يا مطلقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق:

وسئل عمن قال: كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج، فلان فهي طالق.
قال: هو كمن قال: كل امرأة يتزوجها قبل أن يتزوج فلان إلا أن يموت فلان، فهي طالق.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن قول الرجل: كل امرأة أتزوجها حتى يتزوج فلان فهي طالق، مثل قوله كل امرأة أتزوجها قبل أن يتزوج فلان فهي طالق؛ لأن حتى غاية، فيمينه يقتضي طلاق كل امرأة يتزوجها قبل هذه الغاية، فاستوت المسألتان، والحكم في ذلك أن يلزمه طلاق كل ما يتزوجه قبل أن يتزوج فلان ما لم يمت، وإن لم يستثن إلا أن يموت؛ لأنه بموته قبل أن يتزوج يكون قد حرم على نفسه جميع النساء، فلا يلزمه ذلك كما لو استثنى فقال: إلا أن يموت، فقوله في هذه المسألة: إلا أن يموت؛ لا تأثير له فيما يوجبه الحكم على مذهب مالك الذي يرى أن من حرم على نفسه جميع النساء لم يلزمه من ذلك شيء، ولو قال: كل امرأة أتزوجها من بنات فلان قبل أن يتزوج فلان؛ لكان لاستثنائه بقوله: إلا أن يموت فلان تأثير، وهذا كله بين، والحمد لله.

.مسألة يقول لامرأته قد شاء الله أن أطلقك:

وقال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل عن الذي يقول لامرأته: قد شاء الله أن أطلقك، أو لعبده قد شاء الله أن أعتقك، قال: ليس عليه شيء إلا أن يريد بذلك عتقا أو طلاقا، هذا من الكاذبين على الله تعالى، فسئل عن قوله: قد شاء الله أنك طالق، قال: هذه طالق، إنما أخبر أنها طالق، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يقول: قد شاء الله أن أطلق امرأتي، أو أعتق عبدي: إنه لا شيء عليه صحيح؛ لأن معناه إنما هو الإخبار بالعزم على أن يطلق، وعلى أن يعتق؛ لأنه لما عزم على أن يطلق أو على أن يعتق قال: إن الله قد شاء ذلك، سيطلق ويعتق، فقد شاء ذلك، وإن كان سبق في علمه ألا يطلق ولا يعتق فلم يشأ ذلك، هذا هو تحقيق معنى قوله:
قد شاء الله أن أطلقك أو أعتقك، لا أنه من الكاذبين عليه في الحقيقة كما قال، وإنما كان يكون كاذبا عليه لو أخبر أنه قد شاء ما يعلم أنه لو شاءه، مثل أن يقول: قد شاء الله أن أعيش من الهوا، أو أمشي على الماء، أو أطلع إلى السماء، أو ألا يعذب الكافرين، أو ألا أثيب المطيعين، وما أشبه ذلك مما يعلم كذبه فيه على الله عز وجل، ووجب إلا يلزمه الطلاق ولا العتق بإخباره أنه قد عزم على ذلك إلا أن يريد بقوله ذلك العتق والطلاق فيلزمه، كمن لفظ بما ليس من حروف الطلاق وأراد به الطلاق، ويدخل في ذلك من الخلاف ما دخله.
وقوله في الذي يقول: قد شاء الله أنك طالق. هذه طالق إنما أخبرها أنها طالق، صحيح أيضا، والمعنى أنه يلزم الطلاق بإقراره على نفسه بهذا الكلام؛ لأنه أخبر أن الله تعالى فد شاء أنها طالق، ولا يكون الله قد شاء أنها طالق إلا أن يكون هو قد طلقها، كما أنه لا يمكن أن يطلقها إلا والله تعالى قد شاء ذلك؛ لأنها تكون طالقا بنفس قوله: قد شاء الله أنك طالق؛ لأنه إن كان لم يطلقها، وقال: إن الله قد شاء أنها طالق، فهو كاذب على الله تعالى فيما قال لها: لا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى إلا الاستغفار من كذبه عليه، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته على زوج أخته ألا يتم له ذلك الأمر:

ومن كتاب النذور:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عمن حلف بطلاق امرأته على زوج أخته ألا يتم له ذلك الأمر، يريد دخولها عليه.
قال: يصالح امرأته حتى يدخل بأخته زوجها، ثم يراجع امرأته، ولا شيء عليه، قيل له: أرأيت إن بارأ أخته زوجها قبل أن يدخل بها، ثم تزوجها بعد ذلك ودخل بها، وامرأة الحالف تحته كما هي؟ قال: لا أرى ذلك يبرئه، وأراه حانثا، إلا أن تكون له نية فله نيته، قال أصبغ: ولا أرى النية تصح في هذا ولا تجوز، ولا تجزى حتى تنفع، إلا أن يكون سبب تعمده لصداق استثقله، أو شرط لم يكن يوافقه، أو أفتيت عليه في النكاح حتى يوافق وينكح بشروط وصداق غيره، تعمد ذلك بالنية واليمين والإرادة له على سببه تعمدا أو رهبا، وإلا فلا أرى ذلك ينفعه، ولا إن كانت يمينه مهملة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يصالح امرأته حتى يدخل بأخته زوجها، ثم يراجع امرأته، ولا شيء عليه صحيح، قد تقدم له مثله في رسم أوصى، من سماع عيسى، ومضى من القول عليه هناك ما لا وجه لإعادته.
وقوله: إنه إن بارأ أخته زوجها قبل أن يدخل بها، ثم تزوجها بعد ذلك ودخل بها، وامرأة الحالف تحته كما هي أنه يحنث ويقع عليه الطلاق إلا أن تكون له نية صحيح أيضا على معنى ما في المدونة، من أن اليمين ترجع على الحالف ما بقي من الملك شيء، وقد مضى مثله في سماع محمد بن خالد، ويأتي أيضا في نوازل أصبغ، وقول أصبغ: إن النية في هذا لا تصح ولا تجوز ولا تجزى حتى تنفع، إلا أن يكون لها سبب تعمده إلى آخر قوله، معناه أنه لا يصدق فيما ادعاه من أنه نوى ذلك إذا حضرته نيته باليمين بالطلاق إلا أن يعلم من سبب يمينه ما يدل على تصديقه.
وقوله: ولا إن كانت يمينه مهملة معناه أنه لا ينتفع بالسبب، فتحمل يمينه عليه إذا كانت يمينه مهملة دون نية، فلم ينوه أصبغ دون سبب، ولا حمل يمينه على السبب، إذا لم تكن له نية، وظاهر قول ابن القاسم أنه نواه دون سبب، وأنه حمل يمينه على السبب إذا لم تكن له نية، فقول أصبغ على القول بأن الحالف إذا لم تكن له نية تحمل يمينه على ما يقتضيه مجرد اللفظ لا على السبب الذي خرجت عليه يمينه، وقول ابن القاسم على القول بأنه إذا لم تكن له نية تحمل يمينه على السبب الذي خرجت عليه لا على ما يقتضيه مجرد اللفظ، وقد مضى ذكر اختلاف في هذا المعنى، والقول فيه في سماع سحنون وغيره، وأما إذا أتى مستفتيا غير مخاصم، ولا مطلوب باليمين، فله نيته وهو مصدق فيها دون يمين، وفي بعض الروايات مكان تعمد ذلك بالنية واليمين بعد ذلك باليمين والنية، والمعنى في ذلك كله سواء، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبيه فترك مخالطته:

وقال ابن القاسم، عن مالك في الرجل يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ما دام خليطا لأبيه، فترك مخالطته، ثم تزوج، ثم أراد الرجوع إلى مخالطته، فكره مالك ذلك أيضا، وقال: لا يفعل واستثقله.
قال محمد بن رشد: كره مالك أن يفعل ونهاه عنه واستثقله، ولم يقل: إنه يحنث إن فعل، وينبغي أن يحنث إن فعل على مذهبه في المدونة في الذي يحلف بطلاق كل امرأة يتزوجها على امرأته فيطلقها، ثم يتزوج، ثم يراجعها أنها تطلق عليه؛ لأن المعنى في يمينه إنما أراد ألا يجمع بينهما، وكذلك المعنى في يمين هذا، إنما أراد ألا تكون له زوجة، وهو مخالط لأبيه في ماله؛ لئلا يعتقد عليه أنه يرتفق بماله في الإنفاق على زوجته، ويأتي على قول أصبغ في المسألة التي فوقها.
وعلى ما مضى في سماع سحنون، ومحمد بن خالد من أن اليمين تحمل على اللفظ، ولا يعتبر بالبساط ألا يكون عليه شيء إن رجع إلى مخالطة أبيه بعد التزويج؛ لأن اليمين إذا حملت على مقتضى اللفظ، وإن كان لها بساط يخالفه، فأحرى أن يحمل على اللفظ، ولا يحمل على المعنى، إذا لم يكن لها بساط يدل عليه، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول: قد وهبت لك طلاقك:

قال: وسمعته وسئل عن الذي يقول: قد وهبت لك طلاقك. قال: هي البتة، وقال أصبغ مثله، وإن قال: أردت واحدة أو اثنتين لم ينفعه ذلك، ولا يقبل قوله؛ لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق كله، فيكون بمنزلة قوله: قد وهبت لك نفسك، وكذلك قد وهبت لك فراقك، ولا يحتاج في هذا إلى أن تقبل وتقول: قد قبلت أو لا أقبل، هو طلاق بمرة إلا أن يكون بدأ باستثناء إن أعطيتني كذا وكذا، أو وضعت عنى كذا وكذا، فقد وهبت لك طلاقك أو فراقك، فلا يكون عليه شيء حتى تقبل ويحنث بالقبول أو بالفعل، فأرى له فيه النية تنفعه بإرادة الواحدة أو شبيه بصلح أو خلع عند ذلك، وإلا فالطلاق واقع عليه، قال أصبغ.
وسئل ابن القاسم، قيل له: فإن قالت له: قد بلغني أنك تريد طلاقي فلا تفعل، هب لي ذلك ولا تفعل، فقال: قد وهبت لك طلاقك، فقال: إذا كان هذا هكذا، فلا أرى عليه شيئا، إذا لم يرد الطلاق، وكذلك لو قالت له: هب لي نفسي هذه المرة ولا تطلقني، أو قال ذلك له أهلها، فقال: قد وهبت نفسك لك، أو قال لأهلها: قد وهبتها لكم، هل هذا الوجه والبساط لم يكن عليه شيء؛ لأن ذلك منه على ترك الطلاق، وقاله أصبغ كله، ولو قال لها: قد تركتك وطلاقك لم يكن بشيء، كما لو قال لها: لو تركك لم يكن بشيء كان له بساط أو لم يكن، ما لم يرد بذلك طلاقا يضمره، فيحمل به محمل كلام أريد به الطلاق فهو طالق.
قال محمد بن رشد: قال في الذي يقول لامرأته ابتداء: قد وهبت لك طلاقك: إنها البتة، ولا ينوي إن قال: أردت واحدة أو اثنتين؛ لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق، وتعليله لأن اسم الطلاق يجمع الطلاق كله يدل على أن حكم المدخول بها والتي لم يدخل بها في ذلك سواء، وهو صحيح في المعنى لا ينبغي أن يختلف فيه.
وأما قوله: قد وهبت لك نفسك، أي قد وهبت لك نفسك، أو قد وهبت لك فراقك، فهو بمنزلة قوله: قد وهبتك لأهلك، وقوله في هذه الرواية: إن ذلك بمنزلة قوله: قد وهبت لك طلاقك، يقتضي أنه البتة في ذلك كله قبل الدخول وبعده، ولا ينوي في شيء من ذلك، وهو ظاهر قول غير ابن القاسم في العتق الأول من المدونة، وقد مضى ما يتحصل في ذلك من الاختلاف في رسم باع غلاما، من سماع ابن القاسم، من كتاب التخيير والتمليك.
وأما قوله في الذي يقول لامرأته: إن أعطيتني كذا وكذا فقد وهبت لك طلاقك أو فراقك، فأجابته إلى ذلك: إنه ينوى، فإن لم تكن له نية فهي ثلاث. فظاهره أن المدخول بها والتي لم يدخل بها في ذلك سواء، ولابن القاسم في رسم نقدها، من سماع عيسى، من كتاب التخيير والتمليك، أنها ثلاث ولا ينوى، ظاهره أيضا قبل الدخول أو بعده، وقال عيسى بن دينار هناك: إنها واحدة في المدخول بها، والتي لم يدخل بها، وأما إذا قال لها: قد وهبت لك طلاقك جوابا؛ لقولها له: هب لي طلاقي ولا تطلقني، فلا إشكال في أنه لا يلزمه بذلك طلاق، وقوله: ولو قال لها: قد تركتك وطلاقك لم يكن بشيء، يريد وإن قال ذلك لها ابتداء من غير جواب، وهو بين؛ لأنه كلام يدل على أنه أراد بذلك ترك طلاقها، وأما قوله: إن ذلك كما لو قال قد تركتك لم يكن بشيء كان له بساط، أو لم يكن ما لم يرد بذلك طلاقا يضمره، فيحمل محمل كلام أريد به الطلاق، ففيه نظر؛ لأن تركتك وودعتك من ألفاظ الطلاق، فالقياس إذا قال لها ذلك ابتداء ولا نية له أن يلزمه بذلك الطلاق، ولا يصدق أنه لم يرد بذلك الطلاق إذا حضرته نيته، وقد دل على ذلك ما وقع لمالك في رسم الطلاق، من سماع أشهب، من كتاب التخيير والتمليك، ولا فرق في المعنى بين تركتك وخليتك، وقد قال في رسم يوصي، من سماع عيسى، من هذا الكتاب، أن خليتك وخليت سبيلك وفارقتك ثلاث، إلا أن ينوي واحدة دخل بها أو لم يدخل بها، وقد قال في التي لم يدخل بها: إنها واحدة، إلا أن يريد ثلاثا، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة قال لامرأته يا مطلقة:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل قال لامرأته: يا مطلقة، قال: إن كان لم يرد طلاقا، وإنما قال ذلك لها، أي أنت في كثرة الكلام كالمطلقة، وما كلامك إلا كلام مطلقة، فلا شيء عليه، إن لم يرد الطلاق، وإن كان أراد شيئا فهو ما أراد، وقاله أصبغ، أو يقول ذلك على وجه الكسرة لها، وإن لم يعن بذلك وجها أنه لم يعن بذلك طلاقا، وعزل الطلاق، أو على أنها قد طلقت مرة، ولو كان فيك خير ما طلقت ونحو ذلك.
قال محمد بن رشد: أما إذا أراد بقوله لامرأته: يا مطلقة ذمها بأنها ممن قد طلق، أو أن حالك كحال المطلقة في كثرة الكلام، وقلة الانطباع، وما أشبه ذلك فلا إشكال في أنه لا شيء عليه، وأما إذا قال لها ذلك ابتداء على غير سبب ولا نية، ففي لفظه في هذا الوجه في الكتاب احتمال، والأظهر منه أن الطلاق له لازم، ولو قال: أردت بذلك الكذب، ولم أرد به الطلاق لصدق في ذلك، ولم يلزمه طلاق، وإن كانت عليه بينة، والله سبحانه أعلم.

.مسألة أسلف رجلا وأشهد عليه شهيدين ثم أنكر:

قال: وسئل عن رجل أسلف رجلا، وأشهد عليه شهيدين، ثم أنكر، فلقيه الشاهدان فقالا: نحن نشهد عليك، فحلف بالطلاق إن كان لفلان علي شيء، فرفع الشهود شهادتهم، فقضى عليه بالحق، فلما حال الطلاق فقال: لا طلاق عليه إذا كانت يمينه بعد إخبارهما إياه بشهادتهما عليه، وذلك بمنزلة يمينه بعد رفعهما شهادتهما إلى الحكم؛ لأنه بعد الخبر إنما يحلف على شهادتهما، قال أصبغ: لأنه يمكن أن يكون كاذبا في الأول فيدين.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الدور والمزارع، من سماع يحيى، ومضت أيضا في آخر سماع سحنون، فلا معنى لإعادة القول فيها، وقول أصبغ: لأنه يمكن أن يكون كاذبا في الأول فيدين؛ معناه لأنه يمكن أن يكون المدعي كاذبا في دعواه السلف، فيدين الحالف في يمينه، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول للمرأة إن تزوجتك فأنت طالق ولا يدري ما أراد:

قال وسمعت ابن القاسم يقول في الرجل يقول للمرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ولا يدري ما أراد؟
قال: أرى إن تزوجها بانت منه خوفا من أن يكون طلق البتة، ويكون له النصف من الصداق، ولم يكن ينبغي له أن ينكحها حتى تنكح زوجا غيره، ثم مجراها إن تزوجها بعد زوج مجرى المدخول بها، إن طلقها حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، هكذا أبدا حتى تبين منه بالثلاث تطليقات لكل نكاح طلقة محسوبة إن طلقها إياها، حتى تنكح زوجا غيره، قال: وقد اختلف الناس فيه إذا رجعت إليه بعد هذا الذي فسرت لك أن تبتدئ الطلاق، أو تكون على تطليقة، وأحب إلي أن تكون على تطليقة أبدا، يعمل باليقين ويطرح الشك، قاله أصبغ، وهو قول أشهب أيضا في المدخول بها، وهما سواء.
قال محمد بن رشد: حمل ابن القاسم قوله: ولا يدري ما أراد؛ على أنه لا يدري كم أراد من عدد الطلاق، وأنه أراد شيئا فنسيه، خلاف قول سعيد بن المسيب، ويحيى بن سعيد في التخيير والتمليك من المدونة، فقول ابن القاسم هذا مثل ما في الأيمان بالطلاق من المدونة: أن الشك لا يرتفع بعد ثلاثة أزواج، وأنه باق أبدا لا ترجع إليه متى تزوجها إلا على طلقة، وهو قول سحنون، قال: ولو نكحت بعد عشرة أزواج رجعت إليه أبدا تطليقة بقيت إلا أن يبت طلاقها، وحكى ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب، أن الشك يرتفع بعد ثلاثة أزواج، وترجع إليه إن تزوجها على جميع الطلاق، وهو قول ابن وهب، وبه أخذ ابن حبيب، قال يحيى بن عمر: قد تدبرته فوجدته خطأ، وقال ذلك الفضل أيضا، وهو كما قالا: إنه خطأ بين واضح لا يخفى بالاعتبار؛ لأن الزوج لا يهدم الطلقة ولا الطلقتين، فإذا طلق الرجل المرأة التي طلقها، فلم يدر كم طلقها أربع مرات بعد أربعة أزواج، لم يجز له أن يتزوجها إلا بعد زوج؛ لأنا نخشى أن يكون طلاقه أو لا اثنتين، فتكون قد بانت منه بالطلقة الأولى من الأربع، فبقيت من الأربع ثلاث، بانت بها منه، فلا يتزوجها إلا بعد زوج، وكذلك إن طلقها خمس مرات بعد خمسة أزواج، لم يجز أيضا أن يتزوجها إلا بعد زوج؛ لأنا نخشى أن يكون طلاقه أولا طلقة واحدة، فتكون قد بانت منه بالطلقتين الأولتين من الخمس تطليقات، ثلاث تطليقات بانت بها منه، فلا يتزوجها إلا بعد زوج إن طلقها خمس مرات بعد خمسة أزواج، لم يجز له أن يتزوجها، وكذلك ما زاد أبدا على هذا الترتيب، لا يرفع الشك على ما بيناه، وبالله التوفيق.
وقوله في المدخول بها وغير المدخول بها: إنهما سواء؛ يريد أنهما سواء طلق امرأته التي قد دخل بها، ولم يدر كم طلقها؟ أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، ولا يدري كم أراد؟ في أن الشك باق أبدا، لا يرتفع إلا بأن يبت طلاقها، ثم يتزوجها بعد زوج، والله الموفق.

.مسألة حلف بالطلاق أن يخرج إلى أخيه بالعراق فخرج فلقيه بالطريق:

قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عمن حلف بالطلاق أن يخرج إلى أخيه بالعراق، فخرج فلقيه بالطريق، أو قدم قبل أن يخرج، أو بلغه موته إن كان إنما أراد لقيه، فلا شيء عليه، وليقم ولا يخرج، وإن كان إنما أراد العراق فليأتها.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان أراد لقيه، فلا شيء عليه، معناه إن كان أراد بيمينه أن يخرج حتى يلقاه، حيث ما لقيه ولو بالعراق، فلا شيء عليه إن كان خرج، فلقيه في الطريق؛ لأنه قد فعل ما حلف عليه، وقوله: وليقم ولا يخرج؛ يريد إن كان قدم أو مات قبل أن يخرج، ولم يفرط في الخروج؛ لأنه إن كان فرط في الخروج حتى قدم أو مات فهو حانث، كمن حلف ليفعلن فعلا، ففرط في فعله حتى فاته فعل ذلك الفعل، وهو مصدق في هذه النية، وإن كانت على يمينه بالطلاق ببينة؛ لأنها نية محتملة غير مخالفة لظاهر يمينه.
وأما قوله: وإن كان إنما أراد إتيان العراق فليأتها؛ ففيه تفصيل، أما إن كان لم يفرط في الخروج حتى قدم أو مات، فلا يبرأ إلا بإتيان العراق على ما أقر به على نفسه أنه نواه وأراده، وأما إن كان فرط في الخروج، فلم يخرج حتى قدم أو مات، فقد حنث في ظاهر أمره، فلا يصدق فيما زعم من أنه أراد إتيان العراق، إلا أن يأتي مستفتيا فيقال له: إن كنت صادقا فلك أن تبر بإتيان العراق كما نويت، وإن لم تكن له نية، فيمينه محمولة على ما يقتضيه لفظ يمينه من الخروج إلى أخيه بالعراق، فإن خرج أخوه من العراق، أو مات لم يلزمه الخروج إن كان لم يخرج، ولا التمادي إلى لقيه إن كان قد خرج، وكان أخوه قد خرج من العراق، ولا يحنث إلا بأن يكون قد فرط في الخروج، فلم يخرج حتى خرج أخوه من العراق أو مات، وهو لو خرج أدركه بالعراق قبل أن يخرج منه أو يموت، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا تدخل امرأته موضعا سماه حتى يقدم من سفره ثم يبدو له ألا يخرج:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول عن مالك في الذي يحلف ألا تدخل امرأته موضعا، سماه حتى يقدم من سفره: الحج كان أو غيره، ثم يبدو له ألا يخرج هو أن اليمين عليه إلى مقدار سفره إلى رجعته، قال ابن القاسم: هذا الذي ليس فيه نية، يقول: ليس ينوي في هذا شيئا، إنما تحمل مخرج يمينه فيه إلى مقدار سفره إليه إن كانت نيته ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: إن هذا ليس فيه نية، ولا ينوى أنه يحمل مخرج يمينه إلى مقدار سفره إليه، إن كانت نيته ذلك هو كلام ليس على ظاهره، وفيه إضمار لا يستقيم الكلام إلا به، وتقديره أنه يحمل مخرج يمينه إلى مقدار سفره، ولا يحمل على أنه إنما أراد ألا يخرج إلى ذلك الموضع في مغيبه، وإن كانت نيته ذلك فيما زعم، يريد إلا أن يكون ليمينه بساط يدل على ذلك، أو يأتي مستفتيا؛ لأنه إذا أتى مستفتيا فهو بمنزلة إذا كانت يمينه بما لا يقضى به عليه، وقد مضى بيان هذا في رسم الجنائز والذبائح، من سماع أشهب، من كتاب النذور، وقال ابن القاسم في كتاب ابن المواز في هذه المسألة: وهذا إذا لم تكن له نية خلاف قوله هاهنا، إلا أن يكون معنى ما تكلم به عليه إذا أتى مستفتيا، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق أو عتاق وهو لا يعقل شيئا:

وقال: وسمعته يقول في الذي يسقي السيكران، فحلف بطلاق أو عتاق، وهو لا يعقل شيئا: لا شيء عليه، وهو بمنزلة البرسام وهو شيء يجعل له، ولم يدخله هو على نفسه إذا كان إنما يسقاه ولا يعلمه، وقال أصبغ: ولو أدخله على نفسه وشربه على علم به على وجه الدواء والعلاج، فأصابه ما بلغ به ذلك، لم يكن عليه شيء أيضا، ولم يكن بمنزلة السكران من الخمر ولا شاربها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يسقي السيكران، فيحلف بطلاق أو عتاق، وهو لا يعقل شيئا: إنه لا شيء عليه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه في حكم المجنون الذي رفع القلم عنه، بحكم الشرع مرفوع.
وقوله إذا كان يسقاه، ولا يعلمه كلام فيه نظر؛ لأنه يدل على أنه لو شربه وهو يعلم أنه يفقد به عقله، للزمه ما أعتق وطلق، وإن كان لا يعقل، وهذا لا يصح أن يقال، وإنما يلزم السكران العتق والطلاق من ألزمه ذلك من أهل العلم، من أجل أن معه بقية من عقله، لا من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وقد قيل: إنما ألزم الطلاق والحدود من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وليس ذلك بصحيح، وإن كان الذي يسقي السيكران يسكر به كالسكر من الخمر، ويختلط به عقله كالسكران من الخمر فله حكمه، ويمكن أن يفرق فيه بين أن يدخله على نفسه ليسكر به، أو يسقاه، وهو لا يعلم، وقد قال ذلك ابن الماجشون في المبسوطة، وهو على قول من يذهب إلى أن السكران إنما ألزم الطلاق من أجل أنه أدخل السكر على نفسه، وعصى الله تعالى في شرب الخمر، وهو تعليل غير صحيح على ما ذكرناه، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح، القول في أحكام السكران مجودا مستوفى مشروحا لعلله، فلا معنى لإعادة ذلك هنا، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة حلف إن جمعت بين امرأتين فإحداهما طالق:

وسمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف إن جمعت بين امرأتين، فإحداهما طالق.
قال: ينوى، فإن كان أراد الأولى منهما أو الآخرة فذلك له، وإلا طلقتا جميعا، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب المعلوم في قول مالك وأصحابه أن من قال: إحدى امرأتي طالق، ولا نية له أنهما طالقتان جميعا، ولا خيار له في أن يختار إيقاع الطلاق في هذا كالعتق، فيجيزون له أن يوقعه على من شاء منهما، وقد روي ذلك عن مالك، وهو شذوذ في المذهب والقياس، إلا فرق في العتق والطلاق في هذا، فتفرقة مالك بينهما استحسان؛ إذ لا يجوز في العتق ما لا يجوز في الطلاق من التبعيض والوصية به وغير ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى سلعة واستوضع البائع فحلف بالطلاق ألا يضع له فأقاله:

وسمعته يقول في رجل اشترى سلعة، واستوضع البائع، فحلف بالطلاق ألا يضع له فأقاله: إنه حانث، وذلك إن كانت قيمتها أقل من الثمن، قال: وهو وجه ما سمعت من مالك؛ لأنه حين أقاله بمنزلة عرض أخذه في ثمنها، فإن كان فيه فضل أو وفاء لم يكن عليه حنث، وإن كان دون ذلك فهو حانث، وقاله أصبغ وهو بمنزلة ما لو سلفه دينارا في طعام أو سلعة، فيحلف له على الوفاء، ثم استقاله فأقاله ورد الدنانير إليه أنه إن لم يكن فيها وفاء بالطعام أو السلفة بسوق يومها يوم استقالة إن اشتريت بها أخرجتها، وإلا فهو حانث.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة المعنى على معنى ما في المدونة، وقد مضت والقول فيها في رسم إن خرجت، ورسم إن أمكنني، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته إن افتك لها ثوبا فمر بالخياط فقال له هذا ثوبكم:

وسئل عن امرأة استخاطت ثوبا لها، فأنكر ذلك عليها زوجها حين فعلت بغير أمره، وحلف بطلاقها إن افتكه لها، فمر الزوج بالخياط فقال له الخياط: هذا ثوبكم، وقد فرغت منه ألا تأخذه، فقال له: أمسك هذا الدرهم عندك رهنا بحقك وهاته، فأخذه فأتى به امرأته فدفعه إليها، وذهب الخياط فلم يوجد.
قال: يأخذه من المرأة، ولا شيء عليه، قيل له: ما الذي يأخذه من المرأة الدرهم أو ما استخاطت به الثوب إن كان نصف درهم؟ قال: بل النصف درهم الذي استخاطت به، ولم يسمع هذا الآخر منه.
قال محمد بن رشد: لم يحنثه في هذه المسألة بما يقتضيه لفظه، وحمل يمينه على ما ظهر إليه من معنى إرادته، وهو ألا يغرم عنها الأجرة، فكأنه قال: إن غرمت عنك الأجرة فأنت طالق، ولو حملها على ظاهر لفظه لحنثه؛ لأنه قد افتكه لها من عند الخياط وأتاها به، وهو كان الأظهر في المسألة، وإن كان المشهور في المذهب مراعاة المعاني في الأيمان دون الاعتبار بمخرج ألفاظها من جهة الاحتياط في الطلاق، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة حلف على امرأة بطلاقها إن دخلت الحمام سنة فاستأذنته إلى بيت أخيها:

قال: وسمعته سئل عن رجل حلف على امرأة بطلاقها إن دخلت الحمام سنة، فاستأذنته إلى بيت أخيها، فأذن لها، فأتيت بماء من الحمام فاغتسلت به في بيت أخيها.
قال: لا شيء عليه، قال له السائل: فإنها ذهبت مع امرأة أخيها إلى الحمام، فحرست ثيابها عند الباب، ولم تدخل هي، فقال: كيف كانت يمينك على ألا تخرج إلى الحمام، أو على ألا تدخل الحمام؟ فقال: بل على ألا تدخل الحمام، فقال: إن استيقنت أنها لم تدخل الحمام، فلا حنث عليك، قلت: فموضع الثياب من الحمام؟ قال: لا، قلت له: إن موضع الثياب بستر، وربما أخرجت المرأة عريانة ليس يراها أحد، قال: لا وإن كان مستورا، قال أصبغ: وكأنني رأيته يحنثه لو كانت يمينه على ألا تخرج، أو على ألا تسير إلى الحمام لعورته.
قال محمد بن رشد: إنما لم يحنثه إذا ذهبت مع امرأة أخيها إلى الحمام، فحرست ثيابها بالموضع الذي توضع فيه منه عند التجرد لدخوله؛ لأن معنى يمين الحالف على امرأته ألا تدخل الحمام إنما هو ألا تتحمم فيه على ما جرت عليه العادة من التحميم فيه، فراعى المعنى عنده في اليمين، ولم يلتفت إلى ما يقتضيه لفظ الدخول؛ إذ قد دخلت من الحمام الموضع الذي يتجرد النساء فيه مستترات عن الناس، ولم يحنثه بذلك كما يحنث من حلف ألا يدخل مسكن رجل بدخوله بعض داره، وإن لم يصل إلى موضع سكناه منه إلا كان يلزم على هذا ألا يحنثه أيضا، وإن كان حلف ألا تخرج إلى الحمام، أو ألا تسير إلى الحمام؛ لأن المعنى في ذلك كله إنما هو ألا تتحمم في الحمام، ووجه تفرقته بين أن يحلف ألا تدخل أو على ألا تخرج إلى الحمام، هو أنه لم يوقع الحمام إلا على موضع التحمم منه، فلم ير موضع الثياب من الحمام، ولا أوجب عليه بدخولها إياه حنثا، وأما إذا اغتسلت في منزل أخيها بماء الحمام، فلا إشكال في أنه لا يقع عليه بذلك حنث، وبالله تعالى التوفيق.